مكة المكرمة
من مكة تبدأ الحكاية، ومن أطهر بقاع الأرض تنطلق أعظم رسالة عرفها التاريخ: خدمة ضيوف الرحمن.
رسالة حملتها المملكة العربية السعودية بكل فخر ومسؤولية، فصارت نهجًا ثابتًا تتوارثه الأجيال، وتترجمه واقعًا حيًا في كل موسم حج وعمرة، حتى غدت المملكة أنموذجًا عالميًا في التنظيم والإدارة والإنسانية.
وفي مؤتمر ومعرض الحج والعمرة 2025الذي احتضنته جدة مؤخرًا، تجلت هذه الرسالة العظيمة في مشهدٍ وطني مهيب، جمع تحت سقفه مختلف الوزارات والهيئات والقطاعات الحكومية والأمنية والخاصة، والمؤسسات الأهلية والجمعيات التطوعية، لتعرض أمام العالم لوحة متكاملة من العطاء السعودي اللامحدود لخدمة ضيوف بيت الله الحرام.
في مقدمة هذه الجهود، جاءت وزارة الحج والعمرة برؤيتها التطويرية الطموحة، حيث قدّمت منظومة رقمية متكاملة تُسهِّل رحلة الحاج والمعتمر منذ لحظة إصدار التأشيرة حتى مغادرته المملكة، ضمن تجربة ذكية وسلسة.
أما وزارة الداخلية ممثلة في الأمن العام، فقد أبدعت في إدارة الحشود وضبط الحركة والتنظيم، مستندة إلى خطط ميدانية دقيقة ينفذها رجال أمن يعملون بروح المسؤولية والإنسانية، واضعين راحة الحاج وأمنه فوق كل اعتبار.
وفي الميدان ذاته، كان الدفاع المدني حاضرًا بجهوزيته العالية، مسخرًا معداته وكوادره وخططه الوقائية للتعامل مع أي طارئ، حفاظًا على الأرواح والممتلكات في كل موقع من المشاعر المقدسة.
وعلى الجانب الصحي، برزت وزارة الصحة بجهودها الكبيرة في توفير الرعاية الطبية المتكاملة، من خلال مستشفياتها الميدانية وفرقها الإسعافية المنتشرة في المشاعر على مدار الساعة.
وفي المقابل، أسهمت وزارة النقل وهيئة الطيران المدني وهيئة تطوير مكة المكرمة والمدينة المنورة في تطوير بنية تحتية متكاملة للنقل والمواصلات، تربط بين المشاعر بانسيابية وسلاسة، لتجعل تنقل الحجاج رحلة مريحة وآمنة.
ولم تكن الجهود الحكومية وحدها في الميدان، فقد حضرت المؤسسات والشركات الوطنية بقوة في منظومة الخدمات؛
فشركات الضيافة والفندقة قدّمت بيئة راقية تليق بقدسية المكان وروحانية الزمان،
وشركات الإعاشة والتغذية وفّرت وجبات متنوعة تراعي اختلاف الثقافات والاحتياجات،
أما شركات النقل والمواصلات فسهّلت حركة الحجاج عبر أسطول متطور من الحافلات ووسائل النقل الذكية التي تُدار بأنظمة رقمية دقيقة.
كما واصلت المؤسسات الأهلية لخدمة الحجاج أداء رسالتها بإشراف مباشر وميداني، تتابع من خلاله احتياجات الحجاج وتلبيها لحظة بلحظة.
وإلى جانب هذه الجهود التنظيمية والخدمية، برزت الجمعيات الأهلية غير الربحية التطوعية بأدوارها المؤثرة في الإرشاد والتوعية والمساندة الإنسانية، حيث توزعت فرقها في المشاعر المقدسة تقدم العون وتساند كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة وتوزع المياه والوجبات وتعين الحجاج على أداء نسكهم بطمأنينة.
ومن بين هذه الجهود الميدانية اللامعة، تبرز أعمال الكشافة السعودية التي أصبحت علامة فارقة في مواسم الحج.
فأفراد الكشافة ينتشرون في مواقع متعددة داخل المشاعر والمنافذ والمقار الإدارية، يؤدون مهامهم بروح وطنية عالية، يقدّمون الإرشاد والتوجيه للحجاج التائهين، ويساعدون كبار السن، ويوزعون المياه والحقائب الإرشادية، ويعملون جنبًا إلى جنب مع الجهات الأمنية والخدمية، ليجسدوا صورة مشرّفة لشباب الوطن في ميدان العطاء التطوعي.
إن هذه المنظومة المتكاملة — الحكومية والأمنية والخاصة والأهلية — تمثل نموذجًا فريدًا لتكاتف الجهود في سبيل هدفٍ واحد:
أن يعيش ضيف الرحمن تجربةً روحانيةً ميسّرة، يشعر فيها بالأمان والكرامة منذ لحظة قدومه حتى مغادرته.
من مكة إلى العالم، تكتب المملكة كل عام فصلاً جديدًا في شرف الخدمة، وتقدّم للعالم درسًا في الإخلاص والإنسانية والإتقان، لتبقى خدمة ضيوف الرحمن تاجًا على جبين الوطن، ووسامًا يعتز به كل سعودي.








إرسال تعليق