بيتُ الله الحرام ليس مكانًا كسائر الأماكن، بل هو موضعٌ اختاره الله من بين بقاع الأرض ليكون مثابةً للناس وأمنًا، ومهوى أفئدة المؤمنين من كل فجٍّ عميق. يدخل الحاجُّ والمعتمر هذا البيت الطاهر بقلبٍ خاشعٍ ولسانٍ ذاكرٍ، يستشعر أنه بين يدي الله، في مقامٍ عظيمٍ لا يُرفع فيه صوت، ولا يُجادَل فيه أحد؛ لأن التعظيم الحقيقي لا يكون في الطواف والسعي فحسب، بل في تهذيب النفس، وإقرار السكينة في السلوك والكلام.
ومن الأدب مع الله أن يخفض الزائر صوته، ويغض طرفه، ويزن كلماته بميزان الرفق والوقار. فالحرم مكانٌ تتجلّى فيه الرحمة، ويُختبر فيه الخُلق قبل العبادة. لذلك، لا يليق أن تُتبَع المشاعر العظيمة بانفعالٍ أو جدال، فـلحظة الغضب قد تمحو أثر الطاعة، بينما لحظة الصبر ترفع الدرجات وتُظهر صفاء النية.
وقد أمر الله تعالى عباده بقوله:
{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}
ليكون الطواف حول الكعبة طوافَ قلوبٍ قبل أن يكون طوافَ أجساد، دورانًا حول مركز الإيمان والتسليم، وسيرًا في دائرة الخشوع والسكينة.
ومن تعظيم هذا البيت أيضًا احترام الأنظمة والتعليمات التي وُضعت لتنظيم الحركة وحماية الزوّار؛ فهي لم تُوضع إلا لراحة الحجاج والمعتمرين، ليؤدّوا عبادتهم في طمأنينةٍ وأمنٍ وسلام، بعيدًا عن الانشغال بالجوال أو التصوير، فذلك أحرى بحضور القلب وصفاء النية.
إن كل من نال شرف الوصول إلى بيت الله، نال أمانةً عظيمة؛ وهي أمانة التمثّل بالأخلاق التي تُعبّر عن صفاء المقصد وصدق العبادة. فكما يُلبّي بلسانه، يجب أن يُلبّي بقلبٍ ساكنٍ مطمئن، يرى في كل من حوله أخًا له في الله، لا خصمًا ولا ندًّا.
بيت الله لا يليق به إلا الأدب، ولا تليق به إلا القلوب التي جاءت حبًّا وتعظيمًا. فطوبى لمن دخل الحرم مطمئنّ النفس، هادئ الروح، يعظّم شعائر الله حق تعظيمها، فإن ذلك من تقوى القلوب.
بقلم:
دخيل الله بن أحمد الحارثي
مطوّف ضيوف الدولة بالمسجد الحرام








إرسال تعليق